ارتفاع أسعار النفط بين السعر العادل والتعافي الاقتصادي العالمي

25 أبريل 2018 01:38 م

ارتفعت أسعار مزيج برنت من أدنى مستويات تحققت لهذه السنة عند 61.74 دولار شهر فبراير الماضي لتحقق مكاسب زادت عن 21% بوصول الأسعار اليوم إلى مستويات فوق 75 دولار للبرميل الواحد. لكن بالنظر إلى حركة أسعار النفط، فقد ارتفعت منذ شهر يونيو عام 2017 بشكل كبير، من الأدنى الذي تحقق آنذاك عند 44.34 دولار للبرميل، لتحقق مكاسب فاقت 69%.

الارتفاع الكبير الذي حصل في أسعار النفط بني أساسه على تخفيضات منظّمة أوبك للإنتاج خلال الفترة الماضية. لكن حالياً، نرى مزيداً من القوّة في الارتفاع لأسعار النفط في ظل توقعات أن يتزايد الطلب على النفط بشكل يفوق الإنتاج خلال هذه السنة 2018، خصوصاً مع تزايد التوتّرات بين الولايات المتحدّة وروسيا وإيران.

تشير توقعات بيانات المخزون الأمريكي لانخفاض محتمل قد يصل مقداره إلى 2.6 مليون برميل، فيما أظهرت بيانات المخزون انخفاضاً بلغ 1.1 مليون برميل في آخر تقرير صادر من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وقد أشارت آخر التقارير الصادرة من اللجنة الوزارية في أوبيك بأن المخزون التجاري للنفط استقر حول 2.83 مليار برميل في الشهر الماضي مارس 2018.

صرّحت المملكة العربية السعودية سابقاً بحسب ما نقلت عنها وكالة رويترز بأن المملكة تستهدف أسعار نفط بين 70 و80 دولار أمريكي، ليكون سعراً عادلاً عند تلك المستويات. كما أن العديد من الدول داخل وخارج منظّمة أوبيك يريدون أسعار قريبة من هذا النطاق لدعم النمو الاقتصادي لتلك الدول المعتمدة على النفط.

تجدر الإشارة إلى أن دول منظّمة أوبيك مع روسيا قد خفّضوا الإنتاج بواقع 1.8 مليون برميل يومياً بحسب اتفاق عام 2017، والذي من المقرر أن يستمر حتى أواخر العام الجاري.

وقال وزير الطاقة الروسي يوم الجمعة الماضي بأن على دول أوبيك الالتزام في تخفيض الإنتاج، مشيراً إلى أن الجهود ما تزال مستمرة لتدعيم أسعار النفط بشكل مستدام، مع إشاراته إلى أن روسيا ملتزمة بذلك حتى أواخر عام 2018.

تجتمع الظروف بين رغبة الدول المنتجة بأسعار نفط مرتفعة مع التوترات الأمريكية الإيرانية وحالة التوتّر في منطقة الشرق الأوسط لدفع أسعار النفط للارتفاع، مما أنشأ اتجاه صاعد ثابت للنفط خلال الفترة الماضية.

لكن في المقابل، نجد بأن الارتفاع توقّف للنفط الأمريكي الخفيف، مع ارتفاع الإنتاج الأمريكي لمستويات فوق 10.54 مليون برميل يومياً، مما فاق إنتاج المملكة العربية السعودية عند 10 مليون برميل في وقت سابق. وقد صرّح وزير الطاقة الإماراتي سابقاً في الجزائر بأن إنتاج النفط الصخري يعود بسرعة وبأكثر من المتوقع.

وزادت منصّات الحفر النفطية في الولايات المتحدّة، حيث قالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أمس بأن عدد منصات الحفر زاد إلى 820 حفارّة، وهذا المستوى يعتبر الأعلى منذ شهر مارس عام 2015.

من إيران، زادت صادرات النفط والغاز المكثّف، وصرّح وزير النفط الإيراني بأن تراجع الإنتاج للشهر الماضي مارس يعتبر مسألة مؤقتة، فقد زاد الآن. وأكد الوزير بأن إيران تصدّر 2.5 مليون برميل من النفط ومكثفات الغاز كمجموع لهما. ويبدو بأن إيران تعارض بشكل أو بآخر خفض الإنتاج، فقد أشار وزير النفط الإيراني بأنه يرى تمديد الاتفاق غير مطلوب في حال استمرت الأسعار في الارتفاع.

وتشير التوقعات إلى أن الإنتاج الأمريكي من النفط ربما يصل إلى 10.7 مليون برميل يومياً هذا العام بحسب ما ورد سابقاً في وكالة رويترز نقلاً عن مصادر لها، فيما تشير التوقعات إلى وصولها لأعلى مستويات على الإطلاق إلى أوروبا، حيث من المتوقع أن تصدّر الولايات المتحدّة 550 ألف برميل يومياً بحسب الوكالة.

مع ذلك، نجد بأن الالتزام من دول منظّمة أوبيك وخارجها في خفض الإنتاج يبقي على الاتجاه الصاعد لسعر برميل النفط، إلا أن الإنتاج الأمريكي يقف عائقاً أمام الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، بل وأن التوقعات تظهر بأن النفط الأمريكي سوف يستمر في التزايد في الأسواق!

بنظرة اقتصادية دولية، نستطيع أن نرى ارتفاعاً في النمو الاقتصادي منذ أواسط العام الماضي في الولايات المتحدّة، وبحسب آخر الإحصائيات، حقق الاقتصاد الأمريكي نمواً بلغت نسبته 2.9% في الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من العام الماضي، وفي منطقة اليورو ، استقر النمو في الناتج المحلي الإجمالي طوال عام 2017 عند وفوق 0.7%، مقارنة في مستويات حول 0.4% خلال عام 2016. كذلك في اليابان نلاحظ استقراراً في النمو في مستويات فوق 0.4%. رغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين انخفض إلى 1.4% في الربع الرابع من العام الماضي 2017، إلا أننا نلاحظ ما يزال داعماً للاقتصاد الدولي. هذه المناطق في العالم تعتبر المحرّك للطلب العالمي على النفط، وهذا يعطي انطباعاً باحتمالات استمرار تزايد الطلب على النفط مقابل الخفض الذي حصل في منظّمة أوبيك وغيرها.

لكن هنالك بعض الشكوك التي تدور حول استمرار ارتفاع أسعار النفط، مصدرها حقائق اقتصادية تاريخية حصلت بالفعل، تهدد النمو الاقتصادي الدولي في حال استمر سعر برميل النفط بالارتفاع. فالنمو الاقتصادي في العالم ما يزال هشّا، ومع قيام الولايات المتحدّة برفع الفائدة وتوقعات استمرارها بذلك حتى ولو بوتيرة ضعيفة، فالنمو الاقتصادي قد لا يكافئ الارتفاع الكبير في أسعار النفط.

ربط بعض المحللون الاقتصاديون الأزمات الاقتصادية الكبيرة في العالم بالنفط، ويتم الإشارة إلى أن أسباب الأزمات ربما يكون متعدداً، إلا أن ارتفاع أسعار النفط بشكل مبالغ فيه أمر يحصل قبل أي أزمة اقتصادية تشمل الاقتصاد الدولي ككل، ومن أمثلة ذلك الأزمة المالية العالمية 2008، والتي سبقها وصول النفط لمستويات فوق 147 دولار للبرميل خلال 2008، وبعدها بدأت الأزمة المالية العالمية بالظهور بشكلها الجلي في الولايات المتحدّة شهر سبتمبر 2008.

هنالك حالات اقتصادية أخرى حصل فيها ركود اقتصادي دولي، أو حتى انخفاض في وتيرة النمو بشكل ملموس مع ارتفاعات أسعار النفط، وهذا الأمر يجعل من مراقبي أسعار النفط وربطها مع النمو الاقتصادي يشكّون في قدرة الطلب على مجاراة ارتفاع الأسعار مستقبلاً، مما يعني بأن ارتفاع أسعار النفط قد يكون محدوداً نوعاً ما.

حالياً، يتداول سعر برميل النفط الأمريكي الخفيف في مستويات حول 69 دولار للبرميل الواحد، ونأخذ أسعار النفط الأمريكي الخفيف لدراسة الحركة الفنية لأسعار النفط. وبالنظر إلى الرسم البياني الأسبوعي، نجد بأن أسعار النفط تستهدف بشكل مبدئي أسعار حول 72.90 دولار لبرميل النفط الأمريكي الخفيف "تكساس"، وهذا المستوى يمثّل 161.8% فيبوناتشي الموضح في الصورة أدناه.

كذلك، نلاحظ بأن المتوسطات المتحرّكة الأسية 20 و50 تتداول بإيجابية، ويحمل المتوسط المتحرّك الأسي 20 الحركة السعرية من الأسفل، دافعاً إياها لمستويات الهدف الأول المقترح عند 72.90 دولار.

لكن، لا يجب التأكيد على أن الصعود قد يكون دون وجود تذبذب أو تصحيحات، بل قد يتخلله الكثير من التذبذب، لكن بحسب أصول التعامل مع الحركة السعرية بنظرية داو، القناة الصاعدة والمتوسطات المتحرّكة وحركة القمم والقيعان، جميعها تعطي احتمالاً بأن السعر سوف يستمر في الصعود خلال الفترة المقبلة.

لكن التساؤل الذي يبقى الآن، هل سوف يستطيع سعر برميل النفط تحقيق الهدف الفني الكامل الواقع عند 84.00 دولار، والمتمثّل في مستوى 200% فيبوناتشي ( 100% من الهدف الفني التابع لتركيبة فنية كلاسيكية صاعدة)؟ لا يجب الاستعجال الآن، ولنكتفي في انتظار الهدف 72.90 لنرى عندها كيف سوف يتصرّف السعر عند 61.8% من الهدف التابع للتركيبة الفنية، والمشار له في مستوى 161.8% فيبوناتشي.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط