جائحة كورونا هي زلزال اقتصادي، والقلق الآن من تسونامي أزمة مالية

جائحة كورونا هي زلزال اقتصادي، والقلق الآن من تسونامي أزمة مالية

16 أبريل 2020 03:00 م

انتشر فيروس كوفيد-19 في العالم، ليصل عدد الإصابات اليوم لأكثر من 2.09 مليون مصاب في العالم. وسرعة انتشار الوباء بحسب منظّمة الصحة العالمية التي تزيد عن سرعة انتشار الأنفلونزا الموسمية العائدة، أجبرت الحكومات على اتخاذ إجراءات حجر واسعة، تضمّنت إيقاف السفر بالطائرات، وتم عزل مدن بأكملها بل ودول كاملة حول العالم، ليتسبب ذلك في تغيّر حاد في العادات الاستهلاكية، وفقدان مئات الآلاف لوظائفهم.

وصدرت آخر البيانات من الولايات المتحدّة الأمريكية لتظهر لنا ارتفاع نسبة البطالة إلى 4.4%، فيما أبرزت بيانات مبيعات التجزئة انكماشاً بلغت نسبته 8.7% خلال الشهر الماضي مارس. كما وضّحت لنا بيانات التصنيع في ولاية نيويورك مدى عمق التأثير الاقتصادي لإجراءات الحجر الحكومية، حيث شهد قطاع التصنيع في الولاية أداءً أسوأ من الأداء الذي تخلل الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي. وينطبق هذا الأمر على عديد من الدول حول العالم، وقام صندوق النقد الدولي مؤخّراً بخفض توقعات النمو الاقتصادي العالمي، ليشير إلى احتمال انكماش مقداره 3% في الاقتصاد العالمي، في أسوأ أداء متوقّع منذ الأزمة المالية العالمية 2008، كما أن الصندوق أشار إلى أن هذا التوقعات لا تستثني أن يكون الركود الاقتصادي أسوأ مما شهدنا في تلك الأزمة.

بالنسبة للصين، فتشير التوقعات لاحتمال انكماش اقتصادي مقداره 6% خلال الربع الأوّل من هذه السنة، وتظهر التوقعات لاحتمال انكماش في بريطانيا نسبته 35% خلال الربع الثاني الجاري، وفي ألمانيا وكذلك فرنسا انكماش يزيد عن 9%، وفي بريطانيا انكماش أيضاً قد يزيد عن 30% خلال الربع الثاني. ولم يعتد الاقتصاد العالمي على هذه النسب الضخمة من الانكماش، مما قد يجعل من جائحة كورونا مجرّد الزلزال الذي ضرب في الاقتصاد العالمي، لكن القلق الأكبر سيكون من التسونامي الذي سوف يتبع الزلزال.

ارتفاع معدّلات البطالة في العالم بشكل كبير وسريع يهدد الائتمان، وكذلك ربما ترتفع الديون الهالكة لدى القطاعات المصرفية. إلى جانب ذلك، استثمارات البنوك ربما تشهد خسائر كبيرة. فوق كل ذلك، عمدت البنوك لأن تزيد احتياطها النقدي من أجل مواجهة الأزمة، وهذا أيضاً يعتبر عملاً مضادّاً لما تقوم به البنوك المركزية في العالم.

وقامت العديد من البنوك المركزية في العالم بخفض أسعار الفائدة نحو مستويات مدنية جداً، منها بنك بريطانيا المركزي الذي خفّض الفائدة إلى 0.25%، بعدما ثبّتها لفترة طويلة رغم الضعف الاقتصادي الذي شهدته بريطانيا قبل الجائحة بسبب انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وخفّض الفيدرالي الأمريكي الفائدة إلى 0.00%-0.25% لتعود وتستقر قرب أدنى مستوى قياسي لها لم نشهده منذ الأزمة المالية العالمية، وليس هذا فقط بل قام الفيدرالي بضخ تريليونات من الدولارات للاقتصاد. البنك المركزي الأوروبي وكذلك بنك اليابان المركزي وبنك الشعب الصيني، والبنك الوطني السويسري والكندي، وغيرها الكثير قامت بخطط تحفيز هائلة للاقتصاد. لكن، إجراءات البنوك التجارية في الدول تحد من فوائد هذه الإجراءات، إذ أن البنوك حالياً بدأت تحس بحرارة مخاطر تراكم الديون الهالكة.

إلى جانب ذلك، انخفاض أسعار الأصول المعمّرة مثل المنال والسيارات، قد تسبب انكشافً لفقاعات جديدة في الاقتصاد، فانهيار الأصول وأسعارها سيضرب في القطاع المصرفي العالمي من جديد. عاشت البنوك الأمريكية لفترة 11 عاماً متواصلاً من النمو بعد الخروج من الأزمة المالية العالمية، وكان الإقراض يرتفع، وكل شيء بدا على ما يرام، حتى تم تسهيل ظروف الائتمان من البنوك وتقليل الشروط اللازمة من أجل الحصول على القروض بأنواعها. وكانت التوقعات بالفعل تشير إلى احتمال ركود اقتصادي خلال 2020 وقد يتأخر قليلاً إلى 2021، لكن لا أحد كان يتوقّع قبل شهر يناير الماضي بأن الركود الاقتصادي الذي دخله الاقتصاد العالمي يعتبر أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم أوائل القرن الـ19.

لم يكن أحد يعتقد بأن ركوداً حاداً سيحصل، فمدخرات الطوارئ تحوّلت لاستثمارات، والموظفون توجّهوا للاقتراض بأنواعه، وبعد هذا ضرب فيروس كورونا في العالم! وهنا تكمن المشكلة، والمشكلة هي بسرعة الضربة الاقتصادية التي حصلت، ودائماً تكون المفاجآت السيئة ذات تأثير أكبر بكثير من الظروف الاقتصادية التي يتم توقعها مسبقاً وتحضّر القطاعات المصرفية موازناتها والميزانيات لها.

القطاع المصرفي العالمي مهدد، وهذا ما أكّده صندوق النقد الدولي، وهذا ما دفع البنوك المركزية، خصوصاً الفيدرالي الأمريكي، لتوفير سيولة هائلة جداً. لكن، إلى أي مدى ستكون هذه السيولة قادرة على إنقاذ القطاع المصرفي؟

كل يوم إضافي يمر في أزمة كورونا، يهدد بأن يكون تسونامي الاقتصاد القادم أكثر قوّة، والتوقعات تشير إلى أن الإغلاقات الاقتصادية ستبدأ بالتقلّص الشهر المقبل مايو، لكن ماذا لو طالت الفترة أكثر من ذلك؟

في حال طالت فترة الحجر الصحي والإغلاقات الاقتصادية، سيتزايد عدد الشركات التي تعلن إفلاسها، وحتى الشركات الكبرى، والتي بدأت بإغلاق أعمال لها حول العالم، ستكون مهددة بعسر مالي، أو عسر نقدي على أٌقل تقدير. الملايين سيفقدون أعمالهم، وبالتالي، سيخضع القطاع المصرفي لضربة مزدوجة، من جهة، مخاطر الائتمان التي تتزايد مع زيادة نسب البطالة وانخفاض القدرة على الوفاء بسداد القروض، ومن جهة أخرى الكثير من الشركات حصلت على تمويل مصرفي كبير خلال فترات الانتعاش الاقتصادي الطويلة، وهنا ستكون الشركات التي تعلن إفلاسها ثقلاً كبيراً على القطاع المصرفي.

نضيف على ذلك مرّة أخرى ونذكّر بالأصول التي انخفضت قيمتها، لنكون أمام أزمة مصرفية حقيقية، قد تبلور على شكل تسونامي أزمة مالية عالمية جديدة.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط