هل جائحة كورونا أسوأ ما في الانهيار الاقتصادي أم مجرّد بدايته؟

هل جائحة كورونا أسوأ ما في الانهيار الاقتصادي أم مجرّد بدايته؟

1 أبريل 2020 04:57 م

تشير التوقعات إلى أن فيروس كورونا سيدخل الاقتصاد العالمي في ركود عميق، وبدأت الدراسات بإظهار احتمال انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بشكل ملموس، وبالنسبة للاقتصاد الأمريكي، من المحتمل أن نشهد انكماشاً قد يكون الأسوأ منذ عشرات السنين خلال الربع الثاني من هذه السنة. بعض التوقعات تظهر احتمال انكماش مقداره 24% في الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني، والبعض الآخر يشير لاحتمال انكماش يزيد عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي. الوضع سيء بالفعل، وبمقارنة ما شهدناه في الصين خلال الفترة الماضية، سوف نجد بأن الاقتصاد العالمي مهدد بالفعل بركود عميق.

انتشار فيروس كورونا المستجد في دول منطقة اليورو، وكذلك بريطانيا وأميركا واليابان وسويسرا، أجبر الحكومات على اتخاذ إجراءات عزل واسعة، وهذا ما عطّل الإنتاجية وغيّر العادات الاستهلاكية. إلى جانب ذلك، شهد قطاع السياحة والطيران والنقل بأنواعه ضربة لن ينساها الاقتصاديوّن عبر التاريخ، فهي قد تكون الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، إذ لم تكن الأسوأ عبر التاريخ بالفعل.

وأظهرت آخر البيانات الاقتصادية التي صدت من الولايات المتحدّة الأمريكية انخفاضاً في عدد الوظائف في القطاع الخاص بمقدار 27 ألف، ورغم أن ذلك يعتبر أفضل كثيراً من التوقعات، إلا أنه أوّل انخفاض في أعداد الوظائف منذ عام 2010 إبّان الخروج من الأزمة المالية العالمية 2008-2009. كما أظهرت بيانات الأسبوع الماضي ارتفاع طلبات الإعانة الأسبوعية لأعلى مستوى قياسي لها، لتصل مستويات فوق الـ 3 مليون طلب في الولايات المتحدّة، لنرى مدى عمق التأثير على الشركات والأفراد في الولايات المتحدّة الأمريكية.

وقامت الحكومات حول العالم بتوفير تريليونات من الدولارات لمحاولة تحفيز الاقتصاد، ومنها 5 ترليون دولار أقرتها دول مجموعة الـ 20، وكذلك 2.2 ترليون دولار من الحكومة الأمريكية، و750 مليار يورو من الحكومة الألمانية. وبالنسبة للبنوك المركزية، فقد تم خفض الفوائد فيها لمستويات متدنية جداً، حتى عادت في الولايات المتحدّة لأدنى مستوياتها على الإطلاق عند 0.00% -0.25%، وفي بريطانيا 0.25% والمركزي الأوروبي يحتفظ بسعر الفائدة عند 0.00% وفائدة إيداع عند -0.5% وإقراض عند 0.25%. وأغلب البنوك المركزية في العالم قدّمت خططاً أخرى تحفيزية إلى جانب أسعار الفائدة المتدنية، بل نستطيع أن نقول بأنها أكبر خطط تحفيز عبر التاريخ، فاقت ما قدّمته البنوك في الأزمة المالية العالمية 2008.

لكن، لا يبدو بأن جائحة كورونا هي أسوأ ما في الضربة الاقتصادية التي يعاني منها العالم. سابقاً، كانت التوقعات تشير لأن الاقتصاد العالمي سيشهد انخفاضاً في نموه بحوالي 1.5% بأسوأ تقدير، لكن الآن لا يجب استبعاد انكماش حقيقي في الاقتصاد العالمي، كأن نرى قيم نمو سلبية ما دون الصفر، أي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي. الحسابات السابقة كانت كلها تراهن على بقاء انتشار فيروس كورونا محدوداً خارج الصين، لكن مع وصول الإصابات هذا اليوم لأكثر من 860 ألف إصابة، والأغلب فيها خارج الصين، يجب أن ننظر إلى ظروف أخرى، وهي مستقبل الشركات الصغيرة والمتوسطة في العالم.

وبدأنا نلاحظ إعلانات الشركات التي تقوم بتسريح الموظفين، كما أن شركات التجزئة والسياحة والسفر والنقل بدأت ملامح الإفلاس عليها. شركات عالمية تقفل أبوابها ومعارضها، والتغيّر في العادات الاستهلاكية قد يضر عدداً أكبر من الشركات، حتى أن الشركات الكبرى قد لا تنجو في جائحة فيروس كورونا. لكن، هذا ليس إلا البداية.

التغيّر في العادات الاستهلاكية والانخفاض في الإنتاجية سبب قد يدوم تأثيره على المدى الطويل، ورغم أن الحكومات تقدّم كل ما تستطيع تقديمه للشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، إلا أن استمرار انتشار فيروس كورونا لشهرين آخرين كفيل في أن يسبب كارثة حقيقية بالنسبة للتوظيف والشركات على حد سواء.

وننتقل هنا إلى القطاع المصرفي، في عام 2008 كانت المشكلة الاقتصادية متمحورة حول فقاعة اقتصادية هي مشتقات مالية مرتبطة بالرهن العقاري. وانهارت القطاعات المصرفية. لكن اليوم، نحن أمام معضلة أكبر. التخلّف عن السداد سيكون مألوفاً في ظل فقدان الملايين لوظائفهم حول العالم، والمقرضون عندما يطلبون سحب الأموال، قد لا يتوافر في مناسبات عديدة المبالغ الكافية للوفاء بالسحوبات. كذلك، التقلّب الكبير في الأسواق المالية سيجعل استثمارات البنوك تتعثّر، وغيرها من الأمور التي قد تسبب انخفاضاً في عوائد البنوك، وزيادة التكاليف التشغيلية مقارنة بالدخل، وهنا لا يستبعد أن نرى حالات اندماج وربما إعلان إفلاس لشركات في القطاع المصرفي.

استمرار فيروس كورونا لشهرين آخرين، ربما سيجعل مما نعيشه اليوم مجرّد البداية، وقد نحتاج لسنوات عديدة لتقدير الأضرار الحقيقية التي خلّفها وسيخلّفها الفيروس.

وحذر أحد الاقتصاديين في في شركة “بيمكو” الأمريكية لإدارة الاستثمارات، من إمكانية مواجهة العالم انهيارا سوقيا ثم كساد، إذا لم تتخذ الحكومات إجراءات حازمة بما فيه الكفاية.

وورد في مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية إن احتمالية تعرض العديد من الاقتصاديات في العالم لانخفاضات شديدة في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام- ربما تصل إلى 10%- تنمو يوما بعد يوم مع استمرار انتشار الفيروس. وتعتبر الانخفاضات بهذا الحجم عادية بشكل خاص في الاقتصادات النامية، التي تتسم بنمو متقلب للغاية، ولكن تأرجح الدول الصناعية بهذا الشكل نادرا للغاية، وعند حصولها قد يكون مؤشّراً لانهيار اقتصادي وانهيار قطاعات هامة تشمل القطاعات المصرفية.

ووفقا لتحليل لبيانات جمعها البنك الدولي، منذ عام 1960، لم يكن هناك سوى 13 حالة، في كافة البلدان الغنية، شهد فيها الاقتصاد انخفاضا سنويا في الناتج المحلي الإجمالي يزيد عن 5%. وفي الدول العظمى والكبرى في العالم، لم ينخفض اقتصاد أي دولة بأكثر من 10%. لذلك، في حال شهدنا انكماشاً بهذه القيمة أو أكثر، ستكون تلك الدول أمام أمر غير اعتيادي، والقطاعات الاقتصادية والشركات فيه وحتى الأفراد غير معتادون أو حتى ليسوا متحوّطون لمثل هذه الحالات، مما ينذر بانهيار اقتصادي قادم.

ومنذ عام 1870، لم يكن هناك سوى 47 حالة شهدت فيها دولة من الدول الصناعية الكبرى  انخفاضا سنويا تزيد نسبته على 10% في الناتج المحلي الإجمالي، وترتبط معظم هذه الحالات بالحروب العالمية والكساد. وهذا الأمر النادر لو تحقق مرّة أخرى، ربما سنكون أمام مشكلة عظيمة بالنسبة للاقتصاد العالمي.

لذلك، إن طالت فترة انتشار فيروس كورونا، لنستعد لحالة من الانهيارات الاقتصادية، ليكون عندها فيروس كورونا مجرّد البداية في أزمة اقتصادية عالمية قادمة، ستكون أسوأ مما حصل عام 2008. لكن، لنأمل أن يتم السيطرة على الانتشار خلال فترة قصيرة لا تتعدّى الشهر، لتستطيع الحكومات والبنوك المركزية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشركات والوظائف، لنشهد عندها عودة للتعافي بشكل كبير في النمو الاقتصادي، بل وقد نرى عندها نمواً كبيراً يزيد في مقداره عن الانكماش الذي قد يحصل.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط