هل سيحصل تغيّر في اتجاه أسواق المال بسبب انتشار كورونا؟

هل سيحصل تغيّر في اتجاه أسواق المال بسبب انتشار كورونا؟

23 مارس 2020 04:57 م

تعرّضت الأسهم الأمريكية لضربات عديدة خلال الفترة الماضية، وانخفضت بشكل حاد لتفقد كل المكاسب التي تحققت خلال فترة ترامب الرئاسية. وفقد مؤشر ستانددر آند بورز 500 لكبرى الشركات الأمريكية حوالي 15% خلال الأسبوع الماضي وحده، وجاء الانخفاض في أغلبه يوم الإثنين الماضي بعدما تم إعلان خفض الفائدة الفيدرالية بشكل طارئ.

وتسارعت وتيرة تراجع الاقتصاد الأمريكي بوتيرة كبيرة بفعل الإغلاقات الحكومية لمحاولة احتواء فيروس كورونا المستجد، وبدأ المتداولون يتساءلون عن مستقبل الشركات الأمريكية وهل ستشهد المزيد من الانخفاض في أسعارها، أم أنها انخفضت بما يكفي. وتعتبر القيود التي تم فرضها على الأفراد والشركات ذات تأثير عميق سلبي على الاقتصاد. على سبيل المثال، إجراءات الحجر والإقفال في نيويورك وكاليفورنيا سببت توقّف لعديد من الأعمال مع بقاء بعض الأعمال الهامة فقط.

وبسبب إجراءات الحجر، ربما سيشهد الاقتصاد الأمريكي انكماشاً حاداً خلال الربع الثاني، مع عدم استبعاد انكماش خلال الربع الأول من هذه السنة. وتمتلك الحكومة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي أدوات عديدة من أجل دعم وتحفيز الاقتصاد وتقليل قوّة الضربة التي جاءت الأفراد والشركات. لكن في نفس الوقت، يلزم الاقتصاد الأمريكي حالياً تدخّلات فعّالة سريعة وليس فقط إجراءات تخدم الاقتصاد على المدى الطويل. وهنالك توقعات بأن مهما فعلت الحكومة الامريكية والفيدرالي الأمريكي الآن، لن يمنع انزلاق الاقتصاد في الركود، لكن ما تقوم به الحكومة والفيدرالي قد يكون مفيداً لتقليل الفترة الزمنية التي سيحتاجها الاقتصاد للعودة والاستقرار.

الدخل الشخصي في الولايات المتحدّة يصل سنوياً إلى 19 ترليون دولار أمريكي، ومهما حاولت الحكومة الأمريكية تسديد جزء من ذلك، لكن يتساءل الكثيرون عن مدى قدرة الحكومة الأمريكية تسديد جزء من هذه الأموال الطائلة، وما هي النسبة التي ستستطيع الحكومة تعويضه من انخفاض الدخل السنوي؟

لا أحد يعلم بكيفية سوف يتم تمويل كل ما يلزم الاقتصاد الأمريكي لدعم الأفراد والشركات، ونلاحظ بأن هنالك طلب كبير على السندات الحكومية من أجل تغطية المخاطر لعديد من الجهات. لكن، في حال قامت الحكومة والفيدرالي الأمريكي باقتراض الأموال من القطاع الخاص من خلال طرح السندات وأدوات الدين، فلن يكون ذلك قادراً على دعم وتحفيز الاقتصاد، إذ أن النقد الذي سيتم سحبه من القطاع الخاص سيتم إعادة ضخّه نفسه في هذه الحالة، وهذا لن يفيد الاقتصاد كما هو مرغوب.

من جهة أخرى، ربما يقوم الفيدرالي بتمويل العجز، بطريقة أو بأخرى. ويعتقد الكثيرون بأن تمويل الفيدرالي للنقص في السيولة قد يكون تأثيره تضخّمياً على الأسعار بطريقة كبيرة في المستقبل. لكن، لن يكون ذلك مقلقاً حالياً، لأن أكبر المخاوف الحالية هي الانكماش المحتمل في الاقتصاد الذي إذا اجتمع مع الديون الكبيرة سيكون كارثة اقتصادية بالفعل. بل ربما يكون التضخم شيئاً مرغوباً الآن في ظل الديون التي تغرق فيها الحكومة الأمريكية، وذلك لتقويض الكلفة الحقيقية لتسديد تلك الديون. لكن، هل سوف يستطيع الفيدرالي القيام بما يلزم من أجل رفع توقعات التضخم؟ يبدو بأن المستقبل قاتم بالنسبة للتضخم كما هي للاقتصاد الأمريكي.

ويزداد انتشار فيروس كورونا كما هو متوقع، ونرى ارتفاعاً بالأعداد بشكل كبير يوماً بعد يوم. وعدد الحالات يكاد لا يتوقّف عن الارتفاع ويبدو سيئاً جداً في الولايات المتحدّة الأمريكية. وتأمل الحكومة الأمريكية حالياً بأن يستطيع النظام الصحّي تحمّل الوضع والمساهمة في تخفيف الضغط الحالي والمخاوف الناتجة من انتشار فيروس كورونا. لكن، إن أصبح الانتشار في الولايات المتحدّة كبيراً كما حصل في ولاية نيويورك، فقد تكون أميركا قد دخلت معضلة صعبة لا يمكن حلها بالسبل الحالية المتاحة. وكل ذلك يفسّر السبب وراء طلب الحكومة الأمريكية اتخاذ إجراءات حجر واسعة في الولايات المتحدّة الأمريكية، وذلك حتى لا ينهار النظام الصحّي.

ما يركّز عليه المتداولون في الأسواق المالية في الوقت الراهن هو تحديد الاتجاهات الجديدة التي قد تنبثق من الكارثة. غالباً يتوقّع المتداولون أسواقاً ضمن اتجاه هابط مستمر، وركود اقتصادي، وهذا ما يمكن وصفه بـ "تغيير النظام" في الولايات المتحدّة الأمريكية، وهنا نقصد النظام الاقتصادي ككل.

قبل أزمة عام 2001 والاتجاه الهابط الذي دخلته الأسواق المالية والركود الاقتصادي الذي حصل ذلك الوقت، كان الدولار الأمريكي يتحرّك صعوداً ويرتفع مقابل العديد من العملات. وارتفعت في ذلك الوقت أسهم التكنلوجيا بشكل كبير فيما الأسهم التابعة لشركات عالمية كانت منبوذة، وانخفضت أسعار النفط لمستويات بين 12 و10 دولار للبرميل الواحد رغم أن الركود الاقتصادي الذي حصل حينها كان ضحلاً وغير عميق مقارنة بما نعيشه الآن. لكن في ذلك الوقت، شهد الدولار انخفاضاً مقداره 38% منذ ذروته حتى القاع المتحقق بداية 2008، وبعدها تفوقّت الأسهم العالمية على الأسهم الأمريكية بشكل كبير، وارتفعت أسهم الشركات المرتبطة بالنمو الاقتصادي، وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً لمستويات الـ 120 دولار وحقق الذهب أسعاراً فاقت الـ 1900 دولار.

حصل تحوّل آخر عام 2008، عندما دخل الاقتصاد الأمريكي في الأزمة المالية العالمية ذلك الوقت، وبدأ الدولار الأمريكي في ارتفاعه الكبير وسيطرت أسواق الأسهم والنمو على الاقتصاد بعد الخروج من الركود ذلك الوقت. ارتفعت أسعار الذهب بعد الأزمة لتصل إلى أعلى 1900 دولار، لكنها عادت للانخفاض من جديد لتفقد 45% من قيمتها. كما انخفضت أسعار النفط لتصل إلى مستويات الـ 20 دولار تقريباً في أيامنا هذه، حتى قبل أن يضرب فيروس كورونا في الاقتصاد.

هل سوف نشهد تغيّراً جديداً في الأسواق مع الأزمة الجديدة التي بدأت ونستطيع أن نطلق عليها أزمة فيروس كورونا؟ هذا محتمل جداً بالفعل، لكن ربما سنرى تغيّرات توجه الأصول، لكن ليست كل الأصول ستتحرّك في نفس الأسلوب.

عام 2001، حصل تغيّر في اتجاه أسواق الأسهم وانخفضت الأسواق، فيما دخلت أيضاً للأسواق الهابطة "أسواق الدببة"، وهذا ما حصل أيضاً في سعر صرف الدولار. لكن، ارتفع الذهب حوالي 21% بين عام 2001 و2003 مع استمرار انخفاض أسواق الأسهم. وبدأ اتجاه صاعد جديد بعد أزمة الـ 2008، وارتفع سعر الذهب حتى مع أن الدولار شهد بعض الارتفاع، حتى وصلنا الذروة في عام 2011 عندما بدأ الدولار يرتفع ليحقق مكاسب تقارب الـ 45% للمستويات المرتفعة التي تحققت قريباً من وقتنا الحاضر.

يبدو أن الذهب أكثر حساسية من الأصول الأخرى، رغم أن الدولار الأمريكي استمر في موقف القوي خلال السنوات القليلة الماضية، استطاع الذهب الارتفاع بقوّة. وقد لامس الذهب أدنى مستوياتها في أواخر 2015، لكن لم يرتفع بشكل ملموس إلا في أواخر عام 2018. من القيعان المتحققة في شهر سبتمبر عام 2018، استطاع الذهب اكتساب 25%، ثم دخل في تصحيح هابط خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن الخسارة التي تعرّض لها الذهب عبارة عن أقل من نصف الخسائر التي تعرّضت لها أسواق الأسهم.

إلى جانب أن أزمة فيروس كورونا بدأت من الصين بشكل أساسي، وامتدت إلى الدول الآسيوية بداية، إلا أن الدول الآسيوية يبدو بأنها استطاعت أن تقف بوجه الفيروس بشكل جيد حتى الآن مقارنة في عدّة دول أخرى حول العالم. لكن، بعض الدول مثل هونج كونج وتايوان ما زالت تتخذ إجراءات حجر صحي عنيفة لاحتواء الفيروس وتحديداً في الجولة الثانية للانتشار منه، لكن يبدو بأن الوضع مستقر نوعاً ما.

في حال لم تحصل أمامنا عثرات جديدة، ولم تنهر الدول أمام انتشار الفيروس، فربما تبدأ آسيا في التعافي أولاً، ثم أوروبا وأخيراً الولايات المتحدّة الأمريكية. لكن، لم نصل حتى الآن للحد الأقصى من انتشار الفيروس في إيطاليا وعدّة دول أخرى، لكن ربما نشهد توقّفاً في الانتشار ووصوله للحد الأعلى خلال 3 أو4 أسابيع، وبعدها ستبدأ الولايات المتحدّة في التعافي.

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط